بارك الله تعالى هذا العمل فسدَّ ثغرات كثيرة في غاية الأهمية، وقف بها مع مؤسسات الدولة المختلفة رافدا ومعززا، وقدم نماذج مضيئة وعالية الجودة، حصل بعضها على شهادات محلية وإقليمية وعالمية، حتى استحقت أن تُحتذى على مستويات داخلية وخارجية.

فالحاجة إلى بيوت الخبرة باتت ضرورة في عصر منظمات المجتمع المدني، فإن الأموال وحــدها لا تكفي لإنشــاء مشروع خيري ناجح، والرغبة وحدها لا تكفي لصلاحية فريق العمل لتحقيق أهداف المنظمة الخيرية، ولذا كان لابد من توافر بيت خبرة لكل نوع من أنواع العمل الخيري الذي يقدمه القطاع الثالث غير الربحي في بلادنا ليكون مرجعا مهنياً، وليس إداريا ولا مالياً - لكل الجهات التي تعمل في إطار اهتمامه.

وقد اتجهت جملة من الجمعيات واللجان والمراكز الخيرية إلى العمل المؤسسي المبني على رؤية ورسالة وقيم، وابتنى بعضها إستراتيجية ذات مدى مناسب لعملها، جعلتها تتجه إلى أهداف محددة، مما أكسبها نجاحات متفردة، وآثارا بالغة النفع، مع توفير لكثير من الجهود والأموال والأوقات التي قد تذهب هدرا، حين يغيب التخطيط المهني.

وجاء الآن دور بناء بيوت الخبرة، التي تدرس التجارب الناجحة، وتستكشف جوانب الجودة فيها، وتؤلف بينها، لتشكل منها نماذج قابلة للاستنساخ، مع الحرص على الاستفادة من سلبياتها؛ لتحسين المنتج، والتي تقدم دعما هو الأهم من جميع أنواع الدعم، حيث يُعدُّ بيت الخبرة: «مؤسسة استشارية تضم مجموعة من الخبراء في اختصاص ما، تستهدف النهوض بمؤسساته، من خلال تفعيل الخبرات، والمعارف، والمهارات، في: تأسيس المنظمات، ووضع لوائحها، واستراتيجياتها، وأهدافها، وخططها، وتأهيل كوادرها الإدارية والمهنية، وتعزيز ايجابياتها، وقياس أثر مشروعاتها، وتحسين أدائها، وتوثيق تجربتها، وتناقل خبراتها بينها وبين مثيلاتها».

إن ما يفترض أن تقوم به بيوت الخبرة من خدمات فنية وإدارية ومهنية للمؤسسات الخدمية، لا يقل أهمية عن المَنْح المادي؛ لأن الخبرة لا يمكن الحصول عليها بالشراء، بل هي نتاج عمل ومعاناة وجهود متتابعة ومراقبة وملاحظة ورصد وقياس في ظل علم متجدد في المجال الذي تخدمه.

وما تقدمه (بيوت الخبرة) أصبح ضرورة في العمل الخيري، من أجل تعظيم النفع به، وحمايته من التصدع أو الضعف حين ينسحب منه (المؤسس)، حيث ترتبط عدد من المؤسسات الاجتماعية والدعوية بشخص معين هو بطل المشروع، يكون إما صاحب الفكرة، أو الناقل لها، ويكون مدار نجاحها على وجوده، وذلك بسبب افتقادها للعمل المؤسسي المتكامل.

فتقوم بيوت الخبرة برسم مشروع المؤسسة مكتملا على الورق، قبل أن يبدأ، كما يقدم المهندس المعماري منشأة متكاملة الخدمات، بتقنية متقدمة ثلاثية الأبعاد، تجعلها ماثلة للعيان، وكأنها قامت على الأرض، وهي لا تزال على الورق، أو مجرد إلكترونات على شاشات الحواسيب.

إن ذلك سيزيد من فرص النجاح، والتقليل من التجارب الفاشلة، دون مردود يكافئ ما استهلكته من أموال، وطاقات، وأوقات.

ففي بيوت الخبرة ستجد الوزارات المعنية، الخبراء الوطنيين الذين يلبون احتياجاتها من الدراسات، وتجهيز المشروعات، وبناء البرامج اللازمة لتأهيل الكوادر، وهي خبرة موطنة، ستكون رهن الاحتياج في أي وقت بإذن الله تعالى.

ومن هنا أجد أهمية، بل الاحتياج الكبير، بل ضرورة استنبات مشتل كامل من بيوت الخبرة، تُبثُّ في أنحاء مملكتنا الحبيبة.

إن (مركز بيت الخبرة للبحوث والدراسات الاجتماعية الأهلي) قد اختار لنفسه أن يخدم التنمية الأسرية من بين الجوانب الاجتماعية المتعددة؛ نظرا لأن الأسرة هي حجر الأساس في بناء المجتمع، والمنطلق إلى التنمية البشرية كلها.

شكر الله لمؤسسة سليمان بن عبد العزيز الراجحي الخيرية تبنيها هذه المؤسسة الطموح؛ لتكون منطلقا مهنيا، ومرجعا احترافيا، وبيت خبرة لتخدم كل المؤسسات الأسرية في المملكة العربية السعودية، بل وكل فرد يرغب في خدمة (الأسرة).